مدى برس/ العرب/ طاهر علوان:
التحدي في مسلسل الخيال العلمي هو أحد الثيمات التي يتم من خلالها تكريس اندفاع الشخصيات لولوج المجهول واكتشافه من جهة وخوض الصراعات من خلاله من جهة أخرى، وخلال ذلك يتم تعزيز الدراما بالشخصيات المغامرة القادرة على المضي بالدراما الفيلمية إلى أقصاها بكل ما تحمله من تفاعلات وصراعات بعضها متوقع وبعضها الآخر غير ذلك.
وفي فيلم “الهدف المستحيل” للمخرج كريستوفر وينترباور نحن أمام إشكالية مركبة ترتبط بشخصية مغامرة تتمثل في الشاب الطموح والت (الممثل كول سبروز) الذي كل همه وطموحه وهدفه في الحياة هو السفر إلى كوكب المريخ في الزمن المستقبلي، وحيث يصبح السفر إلى ذلك الكوكب “الحلم” والعيش فيه أمرا طبيعيا فضلا عن الرحلات المنتظمة لسفن الفضاء إلى الكوكب الأحمر.
ولأن الجهات المنظمة لتلك الرحلات تقوم بمنح الفرصة لمتنافسين بصفات محددة للفوز بالسفر المجاني إلى هناك، فإن والت يتقدم العشرات من المرات للفوز بذلك ولكن من دون جدوى إذ تراه يخسر دائما وفي كل مرة.
وفي موازاة ذلك يمضي والت يومه في خدمة الزبائن خاضعا لسيطرة روبوت ومستسلما له، فهو الذي يقرر ساعات عمله وهو الذي يراقب أداءه وبذلك يكون المقهى الذي يعمل فيه والت مكانا للقاء بالكثير من الشخصيات، ومن ذلك لقاؤه مع صوفي (الممثلة لانا كوندور) المهووسة هي الأخرى بالسفر إلى المريخ لغرض اللحاق بصديقها كالفين (الممثل ماسون غودينغ) المهندس المختص بمركبات الفضاء.
لكن ما يفتح لوالت باب المغامرة على مصراعيه هو لقاؤه بالصدفة مع ماري (الممثلة هيسنون ميلان) التي تعمل في حقل الأبحاث الفيزيائية وتكون ليلة لقائهما هي الليلة الأخيرة لها للالتحاق بمهمتها في المريخ ومن هناك تخبره بتسلل قطة عبر الأمتعة ووصولها إلى المريخ فيفعل والت الشيء نفسه.
هذه المفارقة الدرامية الكوميدية هي التي سوف تغير مسار الأحداث فضلا عن تشجيع صوفي للالتحاق بالفضاء أيضا رغم معاناتها من فوبيا الأماكن العالية، وخلال ذلك نشهد سلسلة من المفارقات الطريفة كمثل التدقيق في هوية والت ومن ثم اكتشاف شخصيته وكونه ارتكب فعلا يعاقب عليه القانون.
وفي موازاة ذلك يستخدم المخرج خطا سرديا مكملا وذلك من خلال العلاقة بين صوفي وكالفين التي سرعان ما سوف تتغير مع وصول صوفي إلى الفضاء ثم العلاقة المتبادلة بينها وبين والت الذي هو نفسه لا يكاد يجد بوصلة لنفسه وسط كل هذا، فلا هو بصاحب الكفاءة والموهبة الاستثنائية التي تؤهله لكي يعمل على مركبة الفضاء أو الذهاب للعيش في المريخ ولا هو من أصحاب الملايين الذين بإمكانهم شراء تذكرة السفر إلى هناك بكل سهولة.
لكن في مقابل ذلك ثمة تحول غير متوقع، وذلك عندما نكتشف أن الرقابة الأمنية الصارمة كانت كافية للكشف عن تسلل والت وأن السلطات تعلم جيدا بواقعة تسلله، وهي التي سهلت له الوصول إلى هناك لتكليفه بمهمة ليس أكثرها طرافة العودة إلى عمله السابق نادلا في المقهى وبارعا في صناعة القهوة وتقديمها إلى الزبائن.
ووسط كل هذا تصبح علاقة والت وصوفي سببا آخر في المزيد من الالتباس، ذلك أنه يؤمن بمبدأ ألا تغيّر ذاتك مهما كان ضغط المحيطين بك وبذلك بقي محافظا على هدف اكتشف أنه أبعد من الذهاب إلى المريخ والبقاء أسير المركبة الفضائية لعدة أيام.
ولعل الإشكالية المرتبطة بفيلم “الهدف المستحيل” وعلى الرغم من كون أحداثه تقع في زمن مستقبلي إلا أن الجو العام لم يكن يوحي بأي تطور بل يمكنك القول إن المناظر على الأرض تعيدك حتى إلى التسعينات، لاحظ إجراءات المطار وتسجيل الدخول ونظام الحقائب كلها تعود إلى الزمن الراهن وما قبله حتى وليس إلى الزمن المستقبلي وينسحب ذلك على الزي في ذات الوقت ويفترض أن تكون هنالك تقليعات غير مسبوقة وملابس مصنوعة من مواد مبتكرة فضلا عن التصاميم الغريبة لكن شيئا من ذلك لم يتم إظهاره في الفيلم.
ولعل التحول الدرامي الآخر الملفت للنظر يتمثل في قرار صوفي العودة إلى الأرض بعدما تأكدت من التباس علاقتها مع كالفين لكن المفاجأة غير المتوقعة تكمن في التحاق والت بها كما جاء متسللا من خلالها وتتلخص تلك النقطة الافتراضية للقاء بين الاثنين على أنهما توصلا إلى قناعة تامة بأن تلك الرحلة والضجيج من حولها يتم ترويجه بقصد الإغواء والإشغال وجني الأرباح الطائلة من الأثرياء لكي يتم منحهم بطاقة السفر إلى المريخ.
ويمكن القول إن المزيج من الكوميديا والسخرية هو الذي طبع فيلم “الهدف المستحيل” في مزيج مع سينما الخيال العلمي بمعنى أن الفيلم لم يدخلنا في دوامة الفضائيين والمواجهات المعتاد في مثل هذه الأفلام.