الثلاثاء - 28 مارس 2023 - الساعة 09:32 م بتوقيت اليمن ،،،
المخا/ مدى برس/ خاص:
أثارت محاولة اغتيال محافظ محافظة تعز اليمنية، نبيل شمسان، في 25 مارس الجاري في هجوم بطائرة مسيرة وصاروخ موجه ميليشيات الحوثي، تساؤلات حول مسار الأزمة اليمنية خاصة أن الهجوم ارتبط بجملة من التغيرات التي ترمي لتهدئة التوترات وحلحلة الأزمة اليمنية. خصوصاً انه جاء في أعقاب اجتماع عسكري مشترك برئاسة عضو مجلس القيادة الرئاسي “طارق صالح” وضم وزير الدفاع الفريق “محسن الداعري”، ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء “صغير بن عزيز”، عدد من القيادات العسكرية ومحافظي تعز والحديدة ووفدًا من التحالف العربي، لمناقشة طرق وآليات التعامل مع التصعيد الحوثي.
مشهد مُربك
لا تنفصل محاولة الاغتيال عن جملة من التحولات أو التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية على صعيد التفاعلات الداخلية أو الخارجية خلال الفترة الماضية، والتي تشكلت في مجملها وفقًا لنمطين متضادين، أحدهما يدور في فلك التهدئة، وينصرف الثاني نحو التصعيد وعسكرة المشهد، هذه المراوحة بين التهدئة والتصعيد أضافت مزيدًا من الإرباك على المشهد، وفي هذا الإطار يمكن الوقوف على السياق العام المصاحب لمحاولة الاغتيال على النحو التالي:
أولًا) مساعي تمديد الهدنة، يأتي الهجوم بعد مرور ما يقرب من عام على انطلاق الهدنة بين الحكومة الشرعية وميليشيا الحوثي والتي تم الإعلان عنها مطلع أبريل 2022، وقد حافظت الأطراف المنخرطة في الأزمة على تلك الهدنة لنحو ستة أشهر، ما جعلها أطول عملية لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في اليمن، قبل أن تصطدم بتعنت الحوثيين ورفض تمديدها في أكتوبر 2022، وعلى الرغم من تعثر جهود إقناع الحوثي بالعودة للهدنة مرة أخرى، إلا أن طيلة العام المنصرم لم يشهد الميدان أية تحولات عسكرية أو هجمات نوعية، بحيث ظلت الأطراف في وضع أشبه بالهدنة غير المعلنة، إلا أن استهداف موكب المحافظ الذي كان يضن ان وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ضمنه، يراه البعض بمثابة إعلان صريح من قبل الحوثيين بالعودة للتصعيد وقطع أية جهود أو محاولات من شأنها أن تؤدي لتمديد الهدنة.
ثانيًا) الذكرى الثامنة لعاصفة الحزم، تزامن الهجوم وكذا التصعيد الدائر في اليمن خلال الأيام الماضية مع مرور ثمانية أعوام على انطلاق التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية في 26 مارس 2015، والذي جاء على خلفية سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، ومساعي التمدد وإحكام السيطرة على باقي المحافظات شمالًا وجنوبًا، ورغم استمرار حيازة الحوثيين النفوذ على مساحات شاسعة من اليمن، إلا أن جهود التحالف الدولي حالت دون سقوط كامل اليمن في قبضة ميليشيا الحوثي، الأمر الذي كان من شأنه أن يفاقم الأوضاع ويزيد المعاناة عما هي عليه الآن، خاصة وأن النموذج الحوثي ينطلق من مشروع طائفي يتجاوز مفهوم الدولة الوطنية، وعليه قد يحمل الهجوم رسائل موجهة من قبل ميليشيا الحوثي لقيادة التحالف بمواصلة الجهد العسكري والحربي كنوع من استعراض القوة.
ثالثًا) عودة التصعيد العسكري، لا تنفصل محاولة الاغتيال عن مشهد التصعيد في الساحة اليمنية مؤخرًا، حيث تدور في الآونة الأخيرة معارك عنيفة بين ميليشيا الحوثي وقوات محور سبأ والعمالقة في جبهات حريب جنوبي مأرب، وذلك في إطار مساعي الحوثيين لتحقيق عدد من المكاسب، إذ إن السيطرة على مديرية “حريب” يضمن للحوثيين التمدد في مناطق شبوة الغنية بالنفط. بجانب التصعيد الميداني، بدا أن هناك خطابًا من قبل قيادات ميليشيا الحوثي يستهدف التصعيد والتهديد باستخدام القوة، ولا تنفصل تلك الجهود عن محاولة الحوثيين استهداف قادة الصف الأول من الجيش اليمني، ما قد ينبئ بإمكانية عودة التصعيد مرة أخرى واتساع نطاقه في أعقاب الهدوء الحذر الذي سيطر على المشهد طيلة عام 2022.
رابعًا) التفاؤل المرتبط بالاتفاق السعودي الإيراني: في أعقاب إعلان الصين وساطتها بين طهران والرياض، سادت حالة من التفاؤل بشأن الارتدادات الإيجابية المحتملة للتوافق السعودي الإيراني في المشهد اليمني، باعتبار أن الساحة اليمنية يمكن أن تكون ميدانًا حقيقيًا لاختبار جدية الاتفاق ومدى القدرة على ترجمته على أرض الواقع، وذلك في ظل العلاقة الارتباطية الوطيدة بين السعودية وإيران والأطراف الداخلية المنخرطة في الأزمة وقدرة الطرفين على تطويع هذه الأطراف وإقناعها بالقبول بالتهدئة، ومن ثم الدخول في مرحلة جديدة تتجاوز التصعيد وتنهي الأزمة ، وقد كانت ردود الفعل تشير لإمكانية وضع حد للأزمة على خلفية الوساطة الصينية، حيث قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إن الاتفاق سيسهم في التوصل لتسوية سياسية تنهي الحرب في اليمن.
مسارات محتملة
في ظل التصعيد القائم ومساعي الاحتواء المرتبطة بالجهود الدولية لإنهاء الأزمة اليمنية، ومع تصاعد الآمال المعلقة على التوافق السعودي الإيراني، يمكن أن يتحدد مستقبل الأزمة اليمنية في ضوء عدد من المسارات وذلك على النحو التالي:
المسار الأول، احتواء التصعيد وتسوية الصراع، يفترض هذا المسار أن التصعيد الدائر لن يخرج عن نطاق السيطرة، ويمكن أن يتم احتواؤه، ويرتبط هذا الافتراض بعدد من الاعتبارات من بينها أن كلا الطرفين لديهما قناعة تامة بصعوبة تحقيق حسم عسكري كامل، وأن أية جهود أو محاولات للتصعيد ستقود لاستنزاف قدرات الطرفين، يضاف لذلك الرهان القائم على الانفراجة المحتملة التي يمكن أن ينتجها الاتفاق السعودي الإيراني، وقدرة الطرفين على ممارسة الضغط على أطراف الصراع لإعلان وقف شامل لإطلاق النار، ومن هنا يمكن أن تصبح تهدئة الأزمة اليمنية والتوصل إلى تسوية سياسية وتجميد النشاط العسكري جزءًا من الصفقة الكبرى في إطار عودة العلاقات بين الطرفين.
وعليه يمكن أن تشهد الأزمة اليمنية انفراجة خلال الفترات القادمة في ظل هذه المؤشرات، بحيث تبدأ بالاتفاق على تمديد وقف إطلاق النار، والإعلان عن التوصل إلى هدنة بين الحوثيين والحكومة اليمنية كمقدمة لتسوية الصراع. وفي حال إنهاء الصراع عبر الأدوات الدبلوماسية والسياسية، فإن ذلك من شأنه أن يضمن نفوذًا كبيرًا للحوثيين يتماشى مع سيطرة الجماعة الميدانية وقدراتها العسكرية الراهنة.
المسار الثاني: تهدئة جزئية لاختبار صلابة الاتفاق: ينطلق هذا المسار من فرضية أن التقارب بين طهران والرياض سيقود لتهدئة جزئية في الصراع اليمني، بحيث يمكن أن يؤدي إلى تسكين الصراع دون حله في المدى المنظور، وذلك في إطار مساعي اختبار صلابة الاتفاق، وعليه يحتمل أن تُبقي إيران على الورقة اليمنية في إطار توظيفها للمساومة مع الرياض، وعليه قد تتجه طهران في هذا الإطار لإقناع الحوثيين بالقبول بمبادرات وقف إطلاق النار والتجاوب مع الدعوات الأممية والجهود الأمريكية نحو السلام، مع الاحتفاظ بحقها في اختيار المسار المناسب سواء استمرار التهدئة، أو عودة التصعيد وفقًا لمدى صلابة أو هشاشة الاتفاق مستقبلًا.
المسار الثالث: مساعي الحوثي لإثبات استقلاليته، يفترض هذا المسار عدم تجاوب الحوثيين مع مساعي طهران المحتملة لإنهاء الصراع والانخراط في جهود التسوية، انطلاقًا من حسابات الحوثيين ذاتهم، ورغم استبعاد سيناريو خروج الحوثي من تحت قبضة أو سيطرة إيران، خاصة إذا رأت الجماعة أن ما قد تجنيه من المفاوضات لا يتوائم مع تطلعاتها بشأن حضورها في المشهد اليمني.
المرصد المصري