السبت - 26 مارس 2022 - الساعة 11:58 م
لا حلول في الأفق
لو طلب مني التحضير لحوار نهائي بين القوى الفاعلة والحقيقية القادرة على تقرير مصير اليمن، سأضع أربعة مقاعد فقط حول مائدة هذا الحوار الصعب والمكتظ بالملفات الحساسة والتعقيدات الجيوسياسية والأمنية وحتى الاجتماعية.
ولا يبدو لي أن اختيار من سيشغل هذه المقاعد أمر بالغ الصعوبة، فقد أفرزت الحرب اليمنية خلال ثماني سنوات خارطة شديدة الوضوح للقوى الفاعلة على الأرض والتي تمتلك القوة والحضور الشعبي في المشهد اليمني، إلى جانب قوى أخرى مصطنعة تتفرع من تلك القوى الأربع المؤثرة أو بعضها وتلعب دورا مرسوما لها، إما لتشتيت الصورة الحقيقية أو الإرباك أو الاختباء خلف لافتات كبيرة لن تجد في نهاية المطاف إلا يدا واحدة تمسك بها في حقيقة الأمر.
وقد كان اللقاء المشترك في صنعاء، حتى العام 2011، المظلة التي تضج بالعشرات من المكونات الوهمية أو تلك التي لا تمتلك أي حضور سياسي أو شعبي على الأرض، لكن هذا التكتل السياسي مثل رأس الحربة في مجابهة نظام الرئيس علي عبدالله صالح، إلى أن أطيح به في نهاية المطاف، على أيدي قوى وتنظيمات مسلحة وشديدة التنظيم اتخذت من هذا التكتل وسواه عنوانا عريضا لإضفاء الشرعية على مشروع الإطاحة بالشرعية ذاتها، التي كان يمثلها النظام في ذلك الوقت. بالرغم من العوار الذي يثار حول طبيعة هذه الشرعية الدستورية التي ظل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح يتشبث بتلابيبها حتى آخر لحظة.
تكرر المشهد مجددا ولكن هذه المرة بعد انقلاب سبتمبر 2014 الذي أطاح بالدولة اليمنية، حيث ظهرت عناوين جديدة سواء في معسكر الحوثي أو الشرعية على حد سواء، فانبثقت العشرات من العناوين لتكتلات سياسية وقبلية واجتماعية، لا تخفي وراءها سوى فاعل واحد حقيقي والكثير من الأدوات المصطنعة التي خدعت أعين المجتمع الدولي والإقليمي، وهو ما شاهدناه في الأيام الماضية بشكل جلي عندما استقبل المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ ممثلي العشرات من المكونات والقوى السياسية اليمنية، والذين جلسوا بثقة حول طاولة عريضة جمعتهم بالمبعوث الأممي بصورة توحي بأنهم يمثلون بالفعل تيارات أو حراكا شعبيا حقيقيا على الأرض، وهو ما يعرف معظم اليمنيين أنه أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة.
ومن هنا تحديدا تأتي تعليقات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي الطافحة باليأس والتشاؤم حيال إمكانية التوصل لاتفاق سياسي ينقذ اليمن في غياب الفاعلين الأصليين عن المشهد، منشغلين ربما بالتحضير لجولات جديدة من الحرب والصراع السياسي، في حين يحضر نيابة عنهم أو عن بعضهم ممثلو المكونات المصطنعة التي لا تملك من أمرها شيئا، ما بالك أن تملك من أمر اليمن وتقرير مستقبله أي شيء!
وفي المرات القليلة التي شهد اليمن اتفاقا أو شبه اتفاق، حتى وإن تم نقضه في وقت لاحق، دفعت القوى الحقيقة دفعا لتجلس في صدارة تلك الحوارات، سواء منفردة أو برفقة فروعها وأذرعها المصطنعة، كما حدث على سبيل المثال في مؤتمر الحوار الوطني الشامل في العام 2013، أو مشاورات الكويت في 2016، والمناسبتان، باعتقادي وبحسب ما أمتلك من معلومات ولمشاركتي وحضوري جلساتهما، كانتا أفضل الحوارات السياسية اليمنية التي كادت أن تفضي إلى حل لولا تدخلات اللحظات الأخيرة أو جموح بعض المشاريع الأيديولوجية.
واليوم تلوح في أفق المشاورات اليمنية نسخة جديدة يرعاها مجلس التعاون الخليجي، وهو صاحب تجربة ناجحة في اليمن تمثلت في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي نزعت فتيل حرب أهلية يمنية في عام 2011، غير أن تلك المشاورات التي يؤكد منظموها أنها ستعقد بمن حضر. في إشارة ربما للرفض الحوثي المبكر، وإن لم يكن الأمر مستبعدا تماما في ضوء ما يقال عن ضغوط إقليمية تمارس عليه للعدول عن موقفه. مثل هذه المشاورات مناسبة مهمة للحوار داخل معسكر المناوئين للحوثي في المقام الأول، من قوى ومكونات يجمعها العداء للمشروع الإيراني، ولكنها في ذات الوقت تمتلك مشروعاتها الخاصة التي ساهمت في نهاية المطاف في الحيلولة دون هزيمة المشروع الحوثي، بالنظر لحالة الصراع المحتدم والمزمن بين تلك القوى التي بات من الضروري أن تواجه الواقع وتصل لنقطة التقاء، ولو مؤقتة، لتجاوز عقدة تعثر معركة تحرير اليمن، وهو أمر يمكن التعويل عليه فيما لو لعب مجلس التعاون الخليجي دورا ضاغطا وضامنا في نفس الوقت لأي مخرجات لهذه المشاورات، التي يمكن أن تكون قنطرة نحو الحسم العسكري في الحرب، أو جسرا نحو حوار أشمل، يضم معسكر الانقلاب الحوثي في مرحلة لاحقة، بعد توحيد القابعين في معسكر المناهضين له