الثلاثاء - 16 مارس 2021 - الساعة 12:24 ص
ليس معروفا بعد هل بدأت الإدارة الأميركية الجديدة تكتشف من هم الحوثيون في اليمن وما الهدف البعيد المدى من وضع يدهم على صنعاء؟
يطرح هذا السؤال نفسه بعد رفض “أنصار الله” الاقتراح الذي قدّمه تيموثي ليندركينغ المبعوث الأميركي المكلّف بالملفّ اليمني. يتضمّن الاقتراح عناصر عدّة من بينها وقف إطلاق النار وتوقّف الحوثيين عن مهاجمة الأراضي السعودية، إضافة إلى إعادة فتح مطار صنعاء وتشغيله في ظلّ رقابة متفق عليها تتولّاها كلّ الأطراف المعنيّة.
أخّر ليندركينغ عودته إلى واشنطن، التي بات موجودا فيها الآن، ما يزيد على أسبوع. جاء التأخير من أجل إجراء المزيد من المفاوضات غير المباشرة بين السعودية والحوثيين الموجودين في مسقط حيث يوجد لهم مكتب رسمي بشكل دائم.
قبل سفره، ترك المبعوث الأميركي اقتراحه لوقف الحرب. رفض الحوثيون الاقتراح فيما لقي تجاوبا سعوديّا. ليس سرّا أن المملكة تسعى إلى وقف الحرب بطريقة أو بأخرى، خصوصا أن عاصفة “الحزم”، التي بدأت في مثل هذه الأيّام من العام 2015، كانت في الأصل عملا دفاعيا وجاءت ردّا على استفزازات حوثيّة في غاية الوضوح والخطورة.
من المفيد العودة دائما إلى الظروف التي رافقت بدء “عاصفة الحزم” قبل ست سنوات. بدأت تلك الحملة العسكرية للتحالف العربي بعد أشهر قليلة من وضع “أنصار الله” أيديهم على العاصمة اليمنية في 21 أيلول – سبتمبر 2014. وقتذاك سارع الحوثيون إلى عقد اتفاق مع إيران يتناول تسيير ما يزيد على عشر رحلات أسبوعيا بين طهران وصنعاء. ما الذي يدعو إلى مثل هذا الخط الجوي باستثناء نقل معدات عسكرية ورجال وإجراء تدريبات لحوثيين في إيران وتجييش هؤلاء مذهبيّا. لم تمض أيّام على توقيع الاتفاق في شأن الخط الجوّي بين طهران وصنعاء حتّى أجرى الحوثيون مناورات عسكرية في محاذاة الحدود السعوديّة. هل من استفزاز أكبر من هذا الاستفزاز للمملكة ولدول الخليج العربي عموما؟ هل كان مطلوبا انتظار وضع الحوثيين أيديهم على اليمن كلّه، كي يحصل ردّ من جانب المملكة وحلفائها العرب؟
يصعب المرور مرور الكرام على الظروف التي رافقت وصول الحوثيين إلى صنعاء في ظلّ تواطؤ “الشرعيّة” واعتقاد الرئيس المؤقت عبدربّه منصور هادي أنّ في استطاعته التوصّل إلى تفاهم معهم. أراد الرئيس المؤقت، الذي كانت تتحكّم به ولا تزال عقدة علي عبدالله صالح، إيجاد توازن داخل “الشرعية” نفسها مع جماعة الإخوان المسلمين. لهذا السبب لم يتصدّ لـ”أنصار الله” في محافظة عمران وتركهم يطردون منها أفراد عائلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم حاشد المتوفّى أواخر العام 2007. في الطريق إلى صنعاء عبر محافظة عمران، جرف الحوثيون اللواء 310 في الجيش اليمني الذي كان محسوبا مع قائده العميد عبدالحميد القشيبي على أحد الضباط الكبار في الجيش اليمني، وهو علي محسن صالح الأحمر، نائب رئيس الجمهورية المؤقت حاليا. ليس سرّا أن علي محسن صالح هو أحد القريبين من جماعة الإخوان المسلمين التي لعبت دورا أساسيا في الانقلاب على نظام علي عبدالله صالح.
بغض النظر عن الأخطاء الكثيرة للرئيس السابق الذي أصرّ الحوثيون على إعدامه في صنعاء في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017، لا يمكن تجاهل أنّ الإدارة الأميركيّة بقيت دائما مصرّة على التقليل من الخطر الحوثي من جهة وتجاهل أن “أنصار الله” ليسوا سوى أداة إيرانية لا أكثر من جهة أخرى. كلّ ما عدا ذلك وكلّ ما يحدث في اليمن مجرّد تفاصيل مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية في البلد. هذه الكارثة قابلة لأن تتطور نحو الأسوأ في ظلّ انتشار المرض والجوع في كلّ الأراضي اليمنية.
ليس لدى الحوثيين أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري يمكن أن يساعد في نهوض اليمن. الدليل على ذلك ما فعلوه في مناطق سيطرتهم، خصوصا في صنعاء التي تشهد في كلّ يوم مأساة من نوع مختلف. كانت المأساة الأخيرة احتراق مخيّم للاجئين فقراء في إحدى ضواحي العاصمة.
ليس معروفا بعد ما هي الدروس التي سيستخلصها الديبلوماسي الأميركي، الذي يقول كثيرون إنّه يعرف اليمن جيّدا، من خلال تعاطيه الأخير مع “أنصار الله” ورفضهم عرضه. ما هو ثابت أنّ “الشرعية” استطاعت تحسين وضعها على الأرض بعدما صدّت الهجوم الحوثي على مأرب. الأكيد أنّها سجلت نقاطا في محيط تعز، علما أن تلك النقاط لا أهمّية لها تذكر من الناحية العسكريّة مقارنة مع ما حصل في مأرب بفضل سلاح الجوّ السعودي خصوصا.
في النهاية، ليس واردا إلحاق هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة بالحوثيين الذين استفادوا إلى حدّ كبير من كلّ الاتفاقات التي وقعوها، لكنّهم لم يحترموا حرفا فيها. تشمل هذه الاتفاقات “اتفاق السلم والشراكة” مع الرئيس المؤقت وذلك مباشرة بعد دخولهم صنعاء. كذلك، لم يحترموا أيّ اتفاق مع علي عبدالله صالح. هادنوه لفترة بسبب وجودهم في صنعاء وحاجتهم إليه وما لبثوا أن تخلّصوا منه ومازالوا إلى اليوم يحتفظون بجثمانه كما لديهم رهائن من أفراد عائلته. لم يحترموا شيئا من اتفاق أوسلو الذي أشرف عليه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث. نجحوا في إبقاء ميناء الحديدة المهمّ تحت سيطرتهم مستفيدين إلى حد كبير من رغبة غريفيث في تفادي مواجهة عسكرية كبيرة في الحديدة التي كان احتمال سقوطها في أيدي قوات بقيادة طارق محمد عبدالله صالح واردا في مرحلة معيّنة.
آن أوان وضوح الصورة أمام المسؤول الأميركي عن ملفّ اليمن. يعني وضوح الصورة أنّ ليس في الإمكان فصل الحوثيين عن الأجندة الإيرانية وليس في الإمكان في الوقت ذاته الرهان على “الشرعيّة” كي تلحق هزيمة نهائية بـ”أنصار الله”، خصوصا أنّ هؤلاء ليسوا مهتمّين بالخسائر البشريّة وهم على استعداد لإلقاء المزيد من الأطفال والمراهقين في أتون معاركهم…
المهمّ وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى خلاصة فحواها أن التعاطي مع الحوثيين ليس ممكنا إلّا من زاويتين. أولاهما أن دول الخليج، على رأسها السعودية، حريصة على أمنها الذاتي. أمّا الزاوية الثانية فهي تتمثّل في أن الحوثيين موضوع إيراني لا أكثر ولا أقلّ، فهم ليسوا سوى ورقة لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة”. سيبقى السؤال كيف ستتعاطى إدارة جو بايدن مع المشروع التوسّعي الإيراني هل ستواجهه أم تستسلم له؟