تفاصيل

الأربعاء - 27 مايو 2020 - الساعة 08:59 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ كتب| علي عبدالله العجري:


في منتصف الثمانينيات، تقريباً، اشتهرت في منطقتنا حجور مديرية كشر أغنية بصوت الفنان أيوب طارش عبسي مطلعها: "مطر مطر والظبا بينه تدور مكنه"... تواجدت في كل بيت تقريباً. يومها كنت في عمر الثاني عشر تقريباً، وكنت أسمعها أين ما ذهبت في البيت وعند الجيران وفي محلات الكستات في أسواق المنطقة وفي السيارات الذاهبة والقادمة... حتى حفظتها عن ظهر قلب.

اشتهرت هذه الأغنية لسببين متلازمين: الأول، لأنها بصوت الفنان أيوب، الفنان رقم واحد في محافظة حجة، ولا يزال. الثاني، لأنها باللهجة التي ننطقها وتتغنى بمناطق نعرفها جيداً مثل (امجوانه) و(سفح لحبوش) أو جبل المحبشي. كنت أظن أنا وغيري أنها تخاطبنا نحن في تلك المناطق النائية بصوت المحبوب أيوب طارش عبسي.

ما زلت أتذكر لون وغلاف الكاسيت الذي يتضمن الأغنية وعلى ظاهره اسم الأغنية مطر مطر... كلمات الشاعر حسن عبدالله الشرفي. من يومها أحببت هذا الشاعر أبحث عن أي شعر يكتبه. وزاد من علاقتي الوجدانية به العلاقة الأدبية التي كانت تربطه بالشاعر علي عبدالرحمن جحاف ابن منطقتنا (العبيسة) الذي كتب للفنان أيوب في المرحلة نفسها تقريباً أغنية (وا طاير أم غرب ذي وجهت سن أم تهايم قلبي ضناه أم عذاب).. وكان له مساجلات وطرائف مع الشاعر الشرفي أشهرها المساجلات التي امتدت لسنوات عبر أثير إذاعة صنعاء في برنامج بريد المستمعين كنت أسمع هذه المساجلات وأنا طفل في قريتنا في العبيسة حجور وسمعتها وأنا موظف في الإذاعة ولم تنقطع إلا بعد أن أقعد المرض الشاعر الرقيق علي عبدالرحمن جحاف، وأذكر كذلك ما يتعلق بموسم علان (موسم الحصاد) الذي تغنى به الشرفي في أكثر من قصيدة وأفرد له ديوانا بعنوان (أقواس علان) ورد عليه حجاف بقصيدة مطلعها: أي والنبي يا حسن علان حله دني. ذكرتني ما الموال ما الميجنا.

وقد تحدث الشاعر علي عبدالرحمن جحاف، رحمه الله، عن علاقته الطويلة بشاعرنا الشرفي في (لعل من الصدف الغريبة أن يجيء مولدنا في عام واحد في شهر واحد في يوم واحد، فقد ولدت في 15 ربيع الأول عام 1363هـ في بني العوام وكان مولده في 15 ربيع الأول عام 1363هـ في قرية الخواقعه بالشاهل).

ويضيف (ومن الثنائية انه لا يمكن أن يذكر علي عبدالرحمن جحاف في مناسبة من المناسبات أو مجلس من المجالس إلا ويذكر إلى جانبه الأستاذ حسن والعكس كذلك وشعره محبوب ومتميز لدى الكثير من القراء والمستمعين وشعري محبوب ومتميز لدى كثير من القراء والمستمعين له ميزاته التي يذكر بها ولشعري ميزاته التي يذكر بها).

وفي ثنايا المقال تطرق الأستاذ جحاف إلى علاقة الشاعر الشرفي بالوالد العلامة ناصر بن علي الدريني، رحمه الله، ابن منطقتنا العبيسة والذي تربطنا به علاقة عشائرية ومصاهرة
تذكرت أنني كنت أردد ذات مرة كلمات أغنية (يا سايق أم جيب بالله سق بخلي دلا) التي غناها الثلاثة الكوكباني. قال لي الوالد الفقيه من قال هذه الكلمات؟ وكأنها أعادته إلى أماكن يعرفها في الشرفين.

أجبته: حسن عبدالله الشرفي.

قال لي: هو زميل دراستي في المدرسة العلمية بالمحابشة هو وعلي عبدالرحمن جحاف وسكنا أنا والشرفي منزلة واحدة (غرفة لنزلاء الدراسة في الجامع).

***
سمعت عن الشاعر الشرفي الكثير وقرأت له الكثير من قصائده لكني لم التقه وجهاً لوجه إلا في العام 2004 لاجراء حوار لإذاعة الشباب الملحقة بإذاعة صنعاء البرنامج العام في برنامج أدبي كنت أعده بمناسبة صنعاء عاصمة للثقافة العربية (صنعاء 2004) ادهشتني بساطته وغزارة إنتاجه واطلاعه الموسوعي. وعشقه الصادق للريف اليمني ولصنعاء التي (سماها أم المؤمنين).

قرأت للشاعر الشرفي مرات ومرات وفي كل مرة اكتشف في شعره البالغ عشرين ديوانا منشورا وعشرات القصائد المبثوثة هنا وهناك ابعادا أخرى ليس في قوة التعبير وبلاغة الصور وجزالة الالفاظ وتدفق الشاعرية وغزارة الإنتاج وتنوعه بين الفصيح المقفى وشعر التفعيلة والعامي والغنائي ليس ذلك وحسب. بل ما شدني اكثر هو البعد الإنساني في ذلك الشعر.. حيث نلاحظ ملامسة الهم الإنساني في معظم القصائد حتى تلك التي تتحدث عن مسيرة حياة الشاعر نفسه التي سماها (متن السيرة) نرى كيف سلط الضوء على عذابات الإنسان في مثل تلك الطفلة الحافية التي تسير متهالكة تحت لهيب الهاجرة جريا وراء كسرة الخبر أو الأخرى بنت الخمس السنوات التي تحملت أعباء النساء دون المرور بمرحلة الطفولة.

وقد سما الشرفي بالمرأة وافرد لها حيزا من شعره لا سيما الشعر الغنائي، فحين تسمع قصيدة مطر مطر المغناة تلمح مدى اشفاق الشاعر على الفتيات الراعيات التي داهمهن المطر في المرعى البعيد عن الساكنين وتمنى لو كان سقيفا (كهفا أو ملجأ) يحميهن من تدفق المطر في منحدرات الجبال (مطر مطر والظبا بينه تدور مكنه يا ليت وانا سقيف كلهن يدخلنه. يا ليت انا خدر بدوي وكلهن يدخلنه لما يروح ام خريف)... إلى آخر تلك القصيدة المغناة الشهيرة بلهجة بلاد الشرفين وحجور التي هي خليط بين التهامية والجبلية، والتي احتقل فيها الشاعر أيضا بالمطر وكأنه فيض من العطور (يسقي أم جوانه ورد كاذي وحبشوش) أم جوانه منطقة (كاذي وحبشوش) نوع من العطور كان منتشرا وقتها. واحتفى كذلك بالحب (والحب قرقوش ما مثله ولا أي قرقوش) القرقوش غطاء للرأس كانت تستخدمه الفتيات في تلك المرحلة.

وهكذا يواصل الشرفي بث تلك القيم الجمالية والإنسانية في نتاجه الشعري نتابع ذلك في حلقة قادمة...